الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **
ذكر المؤلف رحمه الله تعالى لإثبات صفة المجيء والإتيان آيات أربع.
قوله: (1) الآية الأولى: قوله: * قوله: {هل}: استفهام بمعنى النفي، يعني : ما ينظرون، وكلما وجدت (إلا) بعد الاستفهام، فالاستفهام يكون للنفي. هذه قاعدة، قال النبي عليه الصلاة والسلام: * ومعنى: {ينظرون} هنا: ينتظرون لأنها لم تتعد بـ(إلى)، فلو تعدت بـ(إلى) لكان معناها النظر بالعين غالباً، أما إذا تعدت بنفسها، فهي بمعنى: ينتظرون. أي: ما ينتظر هؤلاء المكذبون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام، وذلك يوم القيامة. * * فـ * وقوله: * وقوله: {والملائكة}: الملائكة بالرفع معطوف على لفظ الجلالة الله، يعني: أو تأتيهم الملائكة، وسبق بيان اشتقاق هذه الكلمة، ومن هم الملائكة. والملائكة تأتي يوم القيامة، لأنها تنزل في الأرض، ينزل أهل السماء الدنيا، ثم الثانية، ثم الثالثة، ثم الرابعة وهكذا... إلى السابعة؟ يحيطون بالناس. وهذا تحذير من هذا اليوم الذي يأتي على هذا الوجه، فهو مشهد عظيم من مشاهد يوم القيامة، يحذر الله به هؤلاء المكذبين.
وقوله: (1) الآية الثانية: قوله: * نقول في أولاً: ثانياً: وإنما ذكر الله هذه الأحوال الثلاث: لأن الملائكة إذا نزلت لقبض أرواحهم، لا تقبل منهم التوبة، لقوله تعالى: وكذلك أيضاً إذا طلعت الشمس من مغربها، فإن التوبة لا تقبل، وحينئذ لا يستطيعون خلاصاً مما هم عليه. وذكر الحالة الثالثة بين الحالين، لأن وقت الجزاء وثمرة العمل، فلا يستطيعون التخلص في تلك الحال مما عملوه. والغرض من هذه الآيات والتي قبلها تحذير هؤلاء المكذبين من أن يفوتهم الأوان ثم لا يستطيعون الخلاص من أعمالهم.
(1) الآية الثالثة: قوله: * {كلا} هنا للتنبيه، مثل (ألا). * وقوله: وأكد هذا الدك لعظمته، لأنها تدك الجبال والشعاب وكل شيء يدك، حتى تكون الأرض كالأديم، والأديم هو الجلد، قال الله تعالى: * قال * وقوله: {والملك}: (الـ) هنا للعموم، يعني: وكل ملك، يعني: الملائكة ينزلون في الأرض. *
(1) الآية الرابعة: قوله: * يعني: اذكر يوم تشقق السماء بالغمام. * و {تشقق}: أبلغ من تنشق، لأن ظاهرها تشقق شيئاً فشيئاً، ويخرج هذا الغمام، يثور ثوران الدخان، ينبعث شيئاً فشيئاً. تشقق السماء بالغمام، مثل ما يقال: تشقق الأرض بالنبات، يعني: يخرج الغمام من السماء ويثور متتابعاً، وذلك لمجيء الله عز وجل للفضل بين عباه، فهو يوم رهيب عظيم. * قوله: وهذه الآية في سياقها ليس فيها ذكر مجيء الله، لكن فيها الإشارة إلى ذلك، لأن تشقق السماء بالغمام إنما يكون لمجيء الله تعالى، بدليل الآيات السابقة. هذه أربع آيات ساقها المؤلف لإثبات صفة من صفات الله، وهي: المجيء والإتيان. وأهل السنة والجماعة يثبتون أن الله يأتي بنفسه هو، لأن الله تعالى ذكر ذلك عن نفسه، وهو سبحانه أعلم بنفسه وبغيره وأصدق قيلاً من غيره وأحسن حديثاً، فكلامه مشتمل على أكمل العلم والصدق والبيان والإرادة، فالله عز وجل يريد أن يبين لنا الحق وهو أعلم وأصدق وأحسن حديثاً. لكن يبقى السؤال: هل نعلم كيفية هذا المجيء؟ الجواب: لا نعلمه، لأن الله سبحانه وتعالى أخبرنا أنه يجيء، ولم يخبرنا كيف يجيء، ولأن الكيفية لا تعلم إلا بالمشاهدة أو مشاهدة النظير أو الخبر الصادق عنها، وكل هذا لا يوجد في صفات الله تعالى، ولأنه إذا جهلت الذات، جهلت الصفات، أي: كيفيتها، فالذات موجودة وحقيقية ونعرفها ونعرف ما معنى الذات وما معنى الذات وما معنى النفس، وكذلك نعرف ما معنى المجيء، لكن كيفية الذات أو النفس وكيفية المجيء غير معلوم لنا. فنؤمن بأن الله يأتي حقيقة وعلى كيفية تليق به مجهولة لنا. مخالفو أهل السنة والجماعة والرد عليهم: وخالف أهل السنة والجماعة في هذه الصفة أهل التحريف والتعطيل، فقالوا: إن الله لا يأتي، لأنك إذا أثبت أن الله يأتي، ثبت أنه جسم، والأجسام متماثلة فنقول: هذه دعوى وقياس باطل، لأنه في مقابلة النص، وكل شيء يعود إلى النص بالإبطال، فهو باطل، لقوله تعالى: فإذا قالت: إن هذا الذي عاد النص بالإبطال هو الحق، صار النص باطلاً ولا بد، وبطلان النص مستحيل. وإن قلت: إن النص هو الحق، صار هذا باطلاً ولابد. ثم نقول: ما المانع من أن يأتي الله تعالى بنفسه على الكيفية التي يريدها؟ يقولون: المانع أنك إذا اثبت ذلك، فأنت ممثل. نقول: هذا خطأ، فإننا نعلم أن المجيء والإتيان يختلف حتى بالنسبة للمخلوق، فالإنسان النشيط الذي يأتي كأنما ينحدر من مرتفع من نشاطه، لكنه لا يمشي مرحاً وإن شئت فقل: إنه يمش مرحاً: هل هذا كالإنسان الذي يمشي على عصا ولا ينقل رجلاً من مكانها إلا بعد تعب. والإتيان يختلف من وجه آخر، فإتيان إنسان مثلاً من كبراء البلد أو من ولاة الأمور ليس كإتيان شخص لا يحتفى به. ماذا يقول المعطل في قوله تعالى: الجواب: يقول: المعنى: جاء أمر ربك، وأتى أمر ربك؟ لأن الله تعالى قال: فيقال: إن هذا الدليل الذي استدللت به هو دليل عليك وليس لك لو كان الله تعالى يريد إتيان أمره في الآيات الأخرى، فما الذي يمنعه أن يقول: أمره؟ فلما أراد الأمر، عبر بالأمر، ولما لم يرده، لم يعبر به. وهذا في الواقع دليل عليك، لأن الآيات الأخرى ليس فيها إجمال حتى نقول: إنها بينت بهذه الآية. فالآيات الأخرى واضحة، وفي بعضها تقسيم يمنع إرادة مجيء الأمر: فإذا قال قائل: ما تقولون في قوله تعالى: فالجواب: أن المراد بذلك إتيان الفتح أو الأمر، لكن أضاف الله الإتيان به إلا نفسه، لأنه من عنده، وهذا أسلوب معروف في اللغة العربية، فالإتيان إذا قيد بحرف جر مثلاً، فالمراد به ذلك المجرور، وإذا أطلق وأضيف إلى الله بدون قيد، فالمراد به إتيان الله حقيقة. الآداب المسلكية المستفادة من الإيمان بصفة المجيء والإتيان لله تعالى: التمرة هي الخوف من هذا المقام وهذا المشهد العظيم الذي يأتي فيه الرب عز وجل للفصل بين عباده وتنزل الملائكة، ولا يبقى أمامك إلا الرب عز وجل والمخلوقات كلها، فإن عملت خيراً، جوزيت به، وإن عملت سوى ذلك، فإنك ستجزى به، كما قال النبي عليها لصلاة والسلام: فالإيمان يمثل هذه الأشياء العظيمة لا شك أنه يولد للإنسان رهبة وخوفاً من الله سبحانه وتعالى واستقامة على دينه.
(1) ذكر المؤلف رحمه الله لإثبات صفة الوجه لله تعالى آيتين: الآية الأولى: قوله: وهذه معطوفة على قوله تعالى: {كل من عليها فان (26) ويبقى وجه ربك} [الرحمن: 26-27]، ولهذا قال بعض السلف: ينبغي إذا قرأت: * قوله تعالى: والوجه: معناه معلوم، لكن كيفيته مجهولة، لا نعلم كيف وجه الله عز وجل، كسائر صفاته، لكننا نؤمن بأن له وجهاً موصوفاً بالجلال والإكرام، وموصوفاً بالبهاء والعظمة والنور العظيم، حتى قال النبي عليه الصلاة والسلام: (سبحان وجهه)، يعني: بهاءه وعظمته وجلاله ونوره. (ما انتهى إليه بصره من خلقه): وبصره ينتهي إلى كل شيء، وعليه، فلو كشف هذا الحجاب ـ حجاب النور عن وجهه ـ، لاحترق كل شيء. لهذا نقول: هذا الوجه وجه عظيم، لا يمكن أبداً أن يماثل أوجه المخلوقات. وبناء على هذا نقول: من عقيدتنا أننا نثبت أن لله وجهاً حقيقة، ونأخذه من قوله: فإن حاول أحد أن يتصور هذه الكيفية بقلبه أو أن يتحدث عنها بلسانه، قلنا: إنك مبتدع ضال، قائل على الله مالا تعلم، وقد حرم الله علينا أن نقول عليه مالا نعلم، قال تعالى: وهنا قال: * وقوله: {ذو}: صفة لوجه، والدليل الرفع، ولو كانت صفة للرب، لقال ذي الجلال كما قال في نفس السورة: * {والإكرام}: هي مصدر من أكرم، صالحة للمكرم والمكرم، فالله سبحانه وتعالى مكرم، وإكرامه تعالى القيام بطاعته، ومكرم لمن يستحق الإكرام من خلقه بما أعد لهم من الثواب. فهو لجلاله وكمال سلطانه وعظمته أهل لأن يكرم ويثنى عليه سبحانه وتعالى وإكرام كل أحد بحسبه، فإكرام الله عز وجل أن تقدره حق قدره، وأن تعظمه حق تعظيمه، لا لاحتياجه إلى إكرامك، ولكن ليمن عليك بالجزاء. الآية الثانية: قوله: * قوله: * وقوله: فالمعنى: كل شيء فان وزائل، إلا وجه الله عز وجل، فإنه باق، ولهذا قل: وقيل في معنى الآية: ولكن المعنى الأول أسد وأقوى. وعلى طريقة من يقو بجواز استعمال المشترك في معنييه، نقول: يمكن أن نحمل الآية على المعنيين، إذ لا منافاة بينهما، فتحمل على هذا وهذا، فيقال: كل شيء يفنى إلا وجه الله عز وجل، وكل شيء من الأعمال يذهب هباء، إلا ما أريد به وجه الله. وعلى أي التقديرين، ففي الآية دليل على ثبوت الوجه لله عز وجل. وهو من الصفات الذاتية الخبرية التي مسماها بالنسبة إلينا أبعاض وأجزاء، ولا نقول: من الصفات الذاتية المعنوية، ولو قلنا بذلك، لكنا نوافق من تأوله تحريفاً، ولا نقول: إنها بعض من الله، أو: جزء من الله، لأن ذلك يوهم نقصاً لله سبحانه وتعالى. هذا وقد فسر أهل التحريف وجه الله بثوابه، فقالوا: المراد بالوجه في الآية الثواب، كل شيء يفنى، إلا ثواب الله! ففسروا الوجه الذي هو صفة كمال، فسروه بشيء مخلوق بائن عن الله قابل للعدم والوجود، فالثواب حادث بعد أن لم يكن، وجائز أن يرتفع، لولا وعدالله ببقائه، لكان من حيث العقل جائزاً أن يرتفع، أعني: الثواب!. فهل تقولون الآن: إن وجه الله الذي وصف الله به نفسه من باب الممكن أو من باب الواجب؟ إذا فسروه بالثواب، صار من باب الممكن الذي يجوز وجوده وعدمه. وقولهم مردود بما يلي: أولاً: أنه مخالف لظاهر اللفظ، فإن ظاهر اللفظ أن هذا وجه خاص، وليس هو الثواب. ثانياً: أنه مخالف لإجماع السلف، فما من السلف أحد قال: إن المراد بالوجه الثواب! وهذه كتبهم بين أيدينا مزبورة محفوظة، أخرجوا لنا نصاً عن الصحابة أو عن أئمة التابعين ومن تبعهم بإحسان أنهم فسروا هذا التفسير، لن تجدوا إلى ذلك سبيلاً أبداً. ثالثاً: هل يمكن أن يوصف الثواب بهذه الصفات العظيمة: رابعاً: نقول: ما تقولون في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: وبهذا عرفنا بطلان قولهم، وأن الواجب علينا أن نفسر هذا الوجه بما أراده الله به، وهو وجه قائم به تبارك وتعالى موصوف بالجلال والإكرام. فإن قلت: هل كل ما جاء من كلمة (الوجه) مضافاً إلى الله يراد به وجه الله الذي هو صفاته؟ فالجواب: هذا هو الأصلى، كما في قوله تعالى: فالأصل أن المراد بالوجه المضاف إلى الله وجه الله عز وجل الذي هو صفة من صفاته، لكن هناك كلمة اختلف المفسرون فيها، وهي قوله: تعالى: فمنهم من قال: إن الوجه بمعنى الجهة، لقوله تعالى: قالوا: لأنها نزلت في حال السفر، إذا صلى الإنسان النافلة، فإنه يصلي حيث كان وجهه، أو إذا اشتبهت القبلة، فإنه يتحرى ويصلي حيث كان وجهه. ولكن الصحيح أن المراد بالوجه هنا وجه الله الحقيقي، أي: إلى أي جهة تتوجهون، فثم وجه الله سبحانه وتعالى، لأن الله محيط بكل شيء، ولأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن المصلي إذا قام يصلي، فإن الله قبل وجهه (7) فإذا صليت في مكان لا تدري أن القبلة، واجتهدت وتحريت، وصليت، وصارت القبلة في الواقع خلفك، فالله يكون قبل وجهك، حتى في هذه الحال. وهذا معنى صحيح موافق لظاهر الآية. والمعنى الأول لا يخالفه في الواقع. إذا قلنا: فثم جهة الله، وكان هناك دليل، سواء كان هذا الدليل تفسير الآية الثانية في الوجه الثاني، أو كان الدليل ما جاءت به السنة، فإنك إذا توجهت إلى الله في صلاتك، فهي جهة الله التي يقبل الله صلاتك إليها، فثم أيضاً وجه الله حقاً. وحينئذ يكون المعنيان لا يتنافيان. واعلم أن هذا الوجه العظيم الموصوف بالجلال والإكرام وجه لا يمكن الإحاطة به وصفاً، ولا يمكن الإحاطة به تصوراً، بل كل شيء تقدره، فإن الله تعالى فوق ذلك وأعظم، كما قال تعالى: فإن قيل: ما المراد بالوجه في قوله: فالجواب: إن أردت بقولك: إلا ذاته، يعني: أن الله تعالى يبقى هو نفسه مع إثبات الوجه لله، فهذا صحيح، ويكون هنا عبر بالوجه عن الذات لمن له وجه. وإن أردت بقولك: الذات: أن الوجه عبارة عن الذات بدون إثبات الوجه، فهذا تحريف وغير مقبول. وعليه فنقول:
|